تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
shape
الكنز الثمين
146809 مشاهدة print word pdf
line-top
التوجه إلى الله والانقطاع إليه

ثم قال الكاتب:
[الصوفي: هو من عرف أن التوجه إلى الله والانقطاع إليه مما ينيل القصد، ويهيئ النفس للملكية.. إلخ].
أقول:
قد ذكرنا أول الكلام تعريف الصوفية في أول الأمر، ثم ما آل إليه أمرهم وما دخل عليهم من البدع، ثم الطرق التي أوقعت الكثير منهم في الخروج عن الإسلام: كالحلول، والاتحاد، فأما التوجه إلى الله والانقطاع إليه فهو صفة شريفة عَليَّة متى قصد منها الإقبال على العبادات، والتفرغ لها، والإعراض عن كل ما يشغل عن الطاعة، ويعوق عن مواصلة السير إلى الله.
وهذه طريقة أهل الزهد، والعلم، والعبادة من الصوفية السلفيين، ومن غير الصوفية، ولم يزل في المسلمين قديما وحديثا خلق كثير وجمع غفير يشتغلون جُلّ وقتهم بالعبادة القلبية الروحية، ويتوجهون إلى ربهم بقلوبهم، ويعلقون عليه آمالهم، وينقطعون إليه وحده، ويعرضون عما سواه، ولا ينافي ذلك إعطاء النفوس حظها من راحة، ولذة مباحة: من مأكل، ومشرب، ومنكح، وملبس، وكذا الاشتغال بالكسب الحلال، وجمع المال الذي تمس إليه الحاجة من وجوهه الجائزة، كما أمر الله بذلك في قوله: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ . وكما في قوله تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ .
وإذا كان الأنبياء والرسل يلتمسون الرزق ويطلبون المال من وجوهه، كما قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ . فكيف بأتباعهم ومن هو دونهم؟! فإن أراد الكاتب بالانقطاع إلى الله، ترك الدنيا وما فيها، والزهد في المباحات، والرهبنة، وترك كل الملذات ومشتهيات النفس التي تتقوى بها على الطاعات، فهذا الوصف والقصد غير صحيح، بل هو خلاف سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسائر الرسل وأتباعهم.
فأما قول الكاتب: [ويهيئ النفس للملكية].. إلخ. فهو خطأ من القول، فإن أراد بالملكية الصعود بالنفس إلى مقام الملائكة، واتصافها بالروحية والنورانية، والاتصال بالملأ الأعلى ونحو ذلك، فلا يصح، فإن نفس الإنسان لا تصل إلى صفات الملائكة التي من خصائصها: العلو، والخفة، والنور، والمكاشفات، والاستغناء عن الدنيا، والانكفاف عن الشهوات ونحوها، فإن الله ركَّب في طباع البشر من الشهوة، والالتذاذ بالمطعم والمشرب، والميل إلى ذلك، والتألم بفقده ما لم يكن من صفات الملائكة.
أما إن أراد بالملكية التملك وأن النفس تتهيأ لأن تملك شيئا من أمر الكون أو تدبره، أو تتصرف فيه تصرف المالك، فهذا أيضا لا يصح، فالنفس البشرية، وسائر النفوس المخلوقة ليس لها من الأمر شيء، ولا تقدر على التصرف المستقبل، ولا الملكية التامة النافذة، بل إن المخلوق نفسه مملوك لربه، ولو ملك الدنيا بأسرها، فملكه مؤقت وناقص، وهو وما بيده ملك لربه، فكيف يقال: إن انقطاع الصوفي ينيله القصد ويهيئ نفسه للملكية.

line-bottom